Skip to content Skip to main navigation Skip to footer

أزمة المياه في حمص هذا الصيف.. انخفاض غير مسبوق في منسوب عين التنور يدق ناقوس الخطر

جارة العاصي ومدينة الينابيع التي كانت مياهها تخرج من باطن الأرض وتتدفق منذ آلاف السنين، تعيش اليوم واحدة من أشد أزماتها: العطش والجفاف. في حمص، لم تعد المياه تصل يومياً كما اعتاد سكانها إذ غير واقع شح المياه ملامح الحياة اليومية، وبات الجميع يترقب جدول الضخ يوماً بيوم، مع قلق متزايد من تفاقم المشكلة.

عين التنور المصدر الأساسي لمياه الشرب في حمص

نبع عين التنور هو مصدر المياه الأهم الذي يغذي سكان حمص بالمياه، إذ يغذي المدينة منذ عقود بمياه الشرب النقية. كان النبع يضخ حوالي 130 ألف متر مكعب يومياً خلال صيف 2024. أما هذا العام، فقد انخفضت الكمية إلى 80 ألف متر مكعب يومياً فقط، أي ما يعادل فقدان أكثر من 60 ألف متر مكعب يومياً، فكميات الضخ انخفضت بنسبة 45% وفق ما أكدته المؤسسة العامة للمياه.

التحديات المناخية والشح المطري

لا تنفصل أزمة حمص عن السياق المناخي العام في سوريا ويُشير الباحثون إلى أن احتمال وقوع الجفاف في سوريا كان نادراً قبل تسارع الاحتباس الحراري، إذ كان مرة كل 250 سنة، لكنه ازداد ليصبح مرة كل 10 سنوات عند زيادة حرارة الأرض بمقدار 1.2 درجة مئوية، ومع تخطي الارتفاع حاجز درجتين، سيحدث الجفاف مرة كل خمس سنوات على الأقل.

مدير الموارد المائية في حمص، المهندس محمد عبد الوهاب حسين، أوضح أن: ” هذا العام هو الأكثر جفافاً منذ نحو 100 عام، مع هطول أمطار لم تتجاوز 141 ميليمتراً فقط، مقارنةً بالمعدل السنوي المعتاد البالغ 400 ميليمتر. انعكس ذلك سلباً على موارد المياه كافة، خاصة على نهر العاصي، حيث انخفض تصريفه إلى أقل من 2 م³/ث عند دخوله سوريا، وأقل من 0.5 م³/ث عند سد الرستن بحمص نهاية حزيران 2025″

المؤشرالقيمة الحالية لعام 2025المعدل الطبيعيالانخفاض
هطول الأمطار في حمص141 ملم400 ملم65%
تصريف نهر العاصي (عند الحدود السورية)< 2 م³/ثانية6-8 م³/ثانية70%
تصريف النهر عند سد الرستن< 0.5 م³/ثانية4-5 م³/ثانية90%

دراسات سابقة توقعت الأزمة

الانخفاض لم يكن مفاجئاً تماماً؛ فالدراسات المائية القديمة كانت قد توقعت خروج النبع عن الخدمة بحلول عام 2025، لكن الحلول الاستراتيجية لم تُنفذ، وبقيت الأدراج مقراً لمشروع كان يمكن أن ينقذ المدينة: مشروع أعالي العاصي.

هذا المشروع، القائم على استجرار مياه نهر العاصي وتنقيتها وضخها إلى مدينة حمص، وُصف بأنه “الخطة البديلة الكبرى”، وكان من الممكن أن يعوّض نحو 50% من مياه عين التنور. لكنه تم تجاهله تماماً من قبل النظام السابق، ولم يُنفذ منه شيء.

لم تكن هذه الأزمة مفاجئة. فقد أشارت دراسات قديمة إلى احتمال خروج نبع عين التنور عن الخدمة بحلول عام 2025، خاصة في حال استمرار تراجع التغذية المطرية وعدم اتخاذ إجراءات بديلة.

كان من المفترض أن يتم تنفيذ مشروع أعالي العاصي، وهو مشروع استراتيجي يستهدف استجرار مياه نهر العاصي، تنقيتها وضخها إلى المدينة، بحيث يُغطي نحو 50% من حاجة حمص المائية. هذا المشروع وُصف بأنه الخطة البديلة الأهم، لكن النظام السابق تجاهله تماماً، بقي حبراً على ورق ولم يُنفذ منه شيء.

تقنين اضطراري 

أمام الواقع المستجد، فرضت مؤسسة المياه نظام تقنين يومي، بحيث تصل المياه يوماً وتنقطع يوماً. وبحسب الإحصائيات الرسمية، فإن 90% من سكان حمص تصلهم المياه وفق هذا البرنامج، بينما تعاني بعض الأحياء المرتفعة أو ذات الشبكات المهترئة من وصول ضعيف أو متقطع.

يتحدث مدير مؤسسة المياه م. عبد الهادي عودة عن هذه المشكلة بقوله: “غياب التخطيط الاستراتيجي للنظام السابق حوّل التحذيرات إلى واقع التقنين الذي يعيشه اليوم مليون ونصف المليون نسمة في حمص”

كما يضيف: “شبكة المياه في المدينة حلقية تعتمد على كمية مياه كبيرة تغذي الشبكة، ولا تستطيع التكيف بسهولة مع النقص الحاد، وهذا ما يؤثر على كمية المياه التي تصل إلى المناطق المختلفة، لكن المؤسسة تعمل الآن على إعادة تقييم وتصميم هذه الشبكات”

الآبار في حمص.. تأهيل ضمن حملة حمص بلدنا

تضم حمص 52 بئراً موزعة على أحيائها، كان يُفترض أن تكون جاهزة لمثل هذه الأزمة، لكن الإهمال الرسمي من قبل نظام الأسد جعل غالبيتها خارج الخدمة. في بعض المناطق، كالقصور وكرم شمشم وباب الدريب والخالدية، دُمّرت الآبار بشكل كامل خلال الحرب، وهي بحاجة إلى تعزيل وتجهيز ميكانيكي وكهربائي شامل.

رغم ذلك، تقول مؤسسة المياه إنها رغم ضعف الإمكانات تمكنت من تشغيل 12 بئراً، وخلال الأسابيع الماضية، وضمن حملة “حمص بلدنا” بالتعاون مع محافظة حمص، أُعيد تأهيل 3 آبار إضافية في أحياء عشيرة والقصور وكرم الزيتون، وفي الخطة القادمة تأهيل بئر كرم شمشم، وبئر الفارابي الذي سيغذي حي باب السباع.

لكنّ مدير المؤسسة العامة لمياه الشرب يوضح أن: “هذه الآبار، وإن كانت مهمة، إلا أنها لا تعوّض الاعتماد الكبير على عين التنور، فهي مجرد حل إسعافي”.

مسارات العمل بين الاستجابة الطارئة والإمدادات طويلة الأمد

في محاولة لتأمين بدائل مستدامة، تعمل مؤسسة المياه على خطين:

الأول مسار طوارئ: تجهيز وتشغيل أكبر عدد ممكن من الآبار المعطلة وربطها بشبكة التوزيع.

الثاني هو مسار استراتيجي: من خلال دراسة إمكانية العمل على إعادة إحياء مشروع أعالي العاصي، استجرار مياه من الأحواض المأمونة مثل حوض السمعليل، واستثمار الطاقة الشمسية في تشغيل المحطات، مع صيانة وإعادة تأهيل شبكات المياه وتقليل الفاقد المائي الذي يصل إلى 25 – 30%.

الترشيد والتوعية

يكمن التحدي الأكبر في المرحلة المقبلة ليس فقط في إدارة نقص مخزون المياه، بل أيضاً في تغيير نمط الاستهلاك ووقف الاستنزاف غير المشروع للموارد المائية.

لذلك وفي استجابة لأزمة المياه المتفاقمة، أطلقت المؤسسة العامة لمياه الشرب في حمص حملة توعية شاملة لترشيد استهلاك المياه، وتعزيز الوعي بخطورة الهدر في ظل التحديات الراهنة. تأتي هذه الحملة بالتعاون مع محافظة حمص، وتتضمن جلسات التوعية بالتعاون مع الهلال الأحمر العربي السوري ومن خلال المنابر الدينية بالتنسيق مع مديرية الأوقاف بالإضافة إلى حملة إعلامية شاملة بالتعاون مع مديرية الإعلام.

بين وطأة الجفاف، وآثار التغير المناخي، وغياب الخطط الاستراتيجية الجاهزة، تدفع مدينة حمص اليوم ثمن عقودٍ من الإهمال وسوء الإدارة من قبل نظام الأسد في ملف من أهم الملفات الحيوية: المياه.

النبع الذي طالما غذّى المدينة يتراجع، ومع كل يوم ينخفض فيه منسوب عين التنور، يُدق ناقوس الخطر بقوة أكبر.

ناقوس يطرح معه سؤال: هل سيغيّر أهالي حمص من نمط وحجم استهلاكهم المائي؟ وهل يمكن للوعي أن يكون خط الدفاع الأول أمام الجفاف القادم؟

*صادر عن مديرية الإعلام في حمص

المصادر

  • مدير المؤسسة العامة لمياه الشرب في حمص المهندس عبد الهادي عودة
  • مدير الموارد المائية في حمص المهندس محمد عبد الوهاب حسين
  • دراسة  Joseph Daher – Water scarcity, mismanagement and pollution in Syria
Back to top